الخميس، 15 فبراير 2018

نقلا عن لوحة نشرت على الصّفحة الرّاقية "Daily Art Bites"
///////////////////////////////////////////////////////////////////
بعد أن رمى ثلاثة حجارة على شبّاكها -إشارته المعتادة- ركضت "سلوى" إلى النّافذة غافلة عن شعرها المضموم ، غير آبهة بأيّ شيء حولها ، حتّى أنّها داست على دبّوس شعرها الّذي سقط سهوًا من على رأسها فسالت قطرات دمها الأحمر على سجّادتهم الفارسيّة المزركشة ، جاءت النّافذةَ مسرعة ، فتحت الباب وأطلّت من على شرفتها ، كان عقدها الأحمر أشبه الأشياء بشفتيها اللّاتي تقوقعن فاغرات فمها على هيئة التّعجّب ، وكانتِ الأزهار المتمايلات على خدّيها يسرن مع حركة الورد المتورّد في الشّرفة ، وأمّا قميصها الأبيض الّذي كان يفوح طيبا حتّى أطرافه فقد كان مشدودا على جسمها كأنّه انقبض من شدّة اللّهفة كما صاحبته ، فالببيونة الشّقراء كانت قد بدأ يلمع فيها إنعكاس نور الشّمس ، ووشاحها المرصّع بالزّهر الملون بالأزرق شابه السّماء بلونها وإتّساعها فحوى كلّها من مشاعر فيه وتلألأ ! 
وقفت قبالته مُخفيةً أقدامها المرتجفتين وراء تفتّح الورود وخلف عبيرها .. 
نظرت اليه بكلّها وهو واقف ببنطاله المرقوع ، وحذائه البنّيّ الكالح الّذي إذا ما نظرت في أوّله رأيت آخر الشّارع ! 
كان يقف وقفة الخطيب يمسك زهرة "لوتوس" زهريّة اللّون في يمينه وخطابا آخر في يساره ، وسيجارة فوق أذنه اليمنى ، وابتسامة ملأت محيّاه حتّى أعماقه ، لم يقل مرحبًا بل أسرع يلقي خطابه ، حتّى إذا ما قارب على الإنتهاء خرجت له جدّتها صارخة : 
كفى !! كفى يا "روميو" زمانك ، بدلا من كتابة هذه التّرهات اذهب وانقب في الأرض فإمّا تخرج منجم ذهب أو تبقى في البيئة الّتي تشبهك . (كناية عن لونه الّذي مال الى البنّيّ بفعل عمله في المناجم) 
لم يعرها أيّ اهتمام حتّى نظرا ما نظر اليها .. 
أتمّ خطابه قائلا : 
"وأمّا كلامًا يُبتغى به وصفك فهو ليس عندي فإنّ الرّب إن أحدث معجزة فهل بحث منّا عن تفسيرها ، وإنّي أحبّك"

أمّا سلوى فلم تزل في استغراقها ، أودع الخطاب في جيبه ووضع الزّهرة أمام الباب ، وشدّ مئزر قبّعته "سأعود سأعود فانتظريني" . 
بقيت مستغرقة ، كفّها يلزم خدّها وذهنها يلزم اللّا نهاية ، لم تأبه إلى صراخ جدّتها العجوز ، ولا إلى أهل الحارة الّذين تجمّعوا ناظرين متمتمين بثرثراتٍ لا تريد معرفتها ، ولا إلى الطّقس الّذي اغتمّت سماؤه وشارف هطول أمطارها ... 
بقيت تعيد وتعيد شريط الخطاب الّذي تصوَّر امامها كقصاصة فيلم لا ينتهي ! 
عاشقةً هائمةً لا تطوي على شيء عدا ما خلّفه غذاء الرّوح الّذي بعثره في نفسها ففاض عنهما !

#مذكّرات_هامشيّة بقلم يحيى لهواني بقلمي ناديه النصر
اللّوحة :
"المُتيّمَة"، 1911.
"Lovelorn", 1911, by Eugene de Blaas, 1843-1931).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق