الخميس، 22 فبراير 2018

عبدالرحمن الصوفي / المغرب
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
قصة قصيرة ......حارس السراب ---------------------------
يتذكر لحظاته اﻷخيرة في المدرسة التي غادرها مطرودا ، تأكد المعلمون أنه فاشل في مسايرة حصصه الدراسية ..قضى في الخامس ابتدائي خمس سنوات لم تسطع سبورة الطباشير أن تعلمه شيئا غير نقل التاريخ المدون كل يوم خاطئا ..هو اﻵن امتهن مربي كلاب الحراسة .. يملك خمسة كلاب ، كل واحد أعطاه اسما يتماشى وسلوكه الحيواني ..يفسر نباحها .. يتقمص وفاءها .. يقلد غدرها ..يقلد نباح كل واحد منهم .. هو اﻵن يعرف كل كلب جيد المعرفة ..يعرف نزواتهم وطبعهم وشراستم ..وأوكل لكل واحد مهمة دربه عليها ..وكل كلب له شريط مصور يعرضه على الراغبين في حراسة ممتلكاتهم ..هو اﻵن يحرس مع كلابه الخمسة مكتبا إداريا يشغل العديد من الموظفين الذين كانوا يعرفون كلابه أكثر منه ، لكن مع ظهور الفيس بوك أصبحوا يعرفونه شاعرا وناقدا وروائيا ومحللا سياسيا ومفتي ديني وكاتب قصة ومسرح ... يميزون صفحته بصور الكلاب الكثيرة المكشرة على أنيابها ..كل من جادله وجده عارفا ومعرفا ومعروفا ، والبشرية كلها على خطأ ، وهو على صواب دوما ، مطوع للكلاب ومتأكد من تطويعه للبشر .

لاحظ " أبو العريف " أن كلبه " خملوش " ينظر إليه بإمعان ، فخاطبه : " خملوش .. خملوش ..لن يغلبني الحشيش ولن يذهب بعقلي ..أعرف لماذا تنظر إلي هكذا ؟! تريد أن تفهمني أنه صار في العالم اﻷزرق من حقي أن أبني لنفسي جدارا ، أو أغرد في مواقع التواصل الاجتماعي ، بشكل سهل جدا ، وفي وقت قصير !..اسمعني خملوش جيدا ، أضيف لعلمك أنه صار أيضا بإمكاني أن أنشر كلاما يعجب به اﻵخرون ، وقد يعلقون على كلامي ، دافعين به إلى التعليق على تعليقاتهم ، ومن حيث لا يدرون يدفعونني إلى المزيد من الكتابة ، وللمزيد من الانتظار لعدد الاعجابات ، ولعدد التعليقات . وسيدفعني اﻷمر ، بمزيد من ذلك ، إلى أن أصبح كاتبا مشهورا ..صار لدي جمهور يا خملوش لدي جمهور وهم على جانب مني ، ينتظرون كتابات كاتبهم العبقري ..أقنعتك يا خملوش أم لا ؟! ..دعني أشعل سجارة وأعود إليك .."
بمجرد ما أشعل شجارته الملفوفة ، سمع منبه سيارة أمام البوابة لقد كان في الماضي يسرع في فتحها ، أما اﻵن فهو كاتب مشهور وأحسن من كل موظفي الإدارة بل أحسن من المدير نفسه ..فتح البوابة ، وهو يلعن مهنته ..نظر إليه سائقها نظرة غضب ولم يكلمه ، ورد عليه أبو العريف بنفس النظرة ، وعاد نحو كلابه يتميايل من شدة تأثير الحشيش ..نظر إلى الكلبة " فيرا " ..استفزته بنظرة مماثلة ، اقترب منها وهو يتكلم بصوت مسموع : " عليك الاعتراف اﻵن أن كل شخص صار بإمكانه أن يصبح كاتبا ، بغض النظر عن جودة تلك الكتابة ، وتعلقها باﻷدب ، وصار لكل شخص جمهور ، هم أيضا كتاب يحمس بعضهم بعضا بالاعجابات المتبادلة ، والتعليقات التي يقولون عنها سخيفة ..ربما صارت هناك مدرسة جديدة للكتابة هي مدرسة الفيس بوك وأنا رائدها ..أنا اﻵن أفتخر بعدد اﻷصدقاء و المتابعين لصفحتي ..اعلمي أن الإعلام يتحدث عني ككاتب ممشهور ، تجاوز عدد المعجبين بصفحتي المليون شخص .. تسير أرقام المعحبين بي إلى اﻷمام ..كما يمكن ، في يوم ما ، أن أفوز بجائزة أفضل كاتب في الفيس بوك .. كتابة الرواية و القصة و الشعر و المسرح ... وربما تكون هناك جائزة لأفضل محلل سياسي ، أو افضل مصمم للصفحات ، أو افضل فكرة ...سأكون أنا الفائز ..هناك روائيون وشعراء وكتاب دخلوا هذا السياق وتنافسوا معي ، فأصيبوا بخيبة أمل ، عندما شاهدوا أن كتاباتهم لم تلاقي متابعة أو إعجابا أو تعليقا كما تلاقيها كتاباتي ، وقد تكون كتاباتهم لا تستحق شيئا في ميزان الكتابة والثقافة واﻷدب .. أنا أملك الجمهور الواسع .. صار بإمكاني أن أتحدى الكاتب " سلمون " ، الذي صدرت له خمس روايات ، و سبع مجموعات شعرية .." ، وكل موظفي اﻹدراة أنا الأحسن من الكل في هذا العالم ! "..توقف عن الحديث لأخذ جرعة ماء من الكأس الطيني ، فتبين له أن الكلبة " فيرا " تغط في نوم عميق ، تركها تنام واستدار لأخذ سجارة حشيش أخرى ..تفاجأ حين وجد موظفا وراءه ، لا يدري متى أتى ، دعاه إلى مكتب المدير .. لحظات قصيرة سمع صياحة العالي جدا وهو يررد أمام باب كل مكتب :" أنا الكاتب المشهور ..! ..أنا الكاتب المشهور ..! " ، ارتفع صياحه وهلوسته في الساحة ، وهو يجوب أركانها ..خلع عنه كل لباسه .. رمى بكل الكتب التي أهداها له الموظفون لأنهم كانوا يعتقونه من أصحاب الشواهد المعطلين ..تأكد الكل أنه فقد عقله فاستدعت اﻹدارة سيارة الاسعاف لتأخذه إلى مستشفى اﻷمراض العقلية .
-------------------------------
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق