الخميس، 27 أبريل 2017

 ممنوع على المخابرات العامة والحربية وأمن الدولة !
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
 * لنفرج عن ملخص لبعض الصفحات من الكتاب المجهول ، لتخرج الى النور لأول مرة ، ومن المروءة أن أقربأنى مدين بالشكر لبلادى .. التى اعطتنى الفرصة لأعمل مستقلا منذ عام 1972 م وحتى اليوم ، دون أدنى تدخل أو اتصال ، حصلت خلالها على الكثير من المعلومات ، التى لم يتوقف نهمى بها لحظة ، وأنا أتخيل أنها مادة الحياة التى سأهديها يوما لهذا الشعب الفريد ، كنت أسرب بعض المعلومات بطريقة تبدو أنها عفوية ، وحقيقة الأمر كانت على غير ما يبدو الظاهر .
__________________
 * لنعد قليلا الى أوائل السبعينات ، ونحن نجهز لعبور ما كنا لا نتخيل امكان حدوثه ، وأيضا سنوات ما بعد العبور . 
 لم أخرج عن القاعدة العامة التى تؤكد أن أى عنصر نشط عادة ما يبدأ بالدين ، حين قررت تأسيس الجماعة الدينية بكلية الصيدلة ، وأعلنت عنها بمسجد كلية الطب ، حيث لم يكن لدينا مسجد بكلية الصيدلة ، وحضر الاجتماع د / ابراهيم الزعفران القيادى المعروف الآن ، والذى كان أميرا لجماعة كلية الطب أيامها وكانت الوحيدة بجامعة الإسكندرية .
__________________
 * دعوت الشيخ / عيد إمام جامع السلام ، ليلقى محاضرة جمعت لها عددا كبيرا من طلاب الكلية ، وحين حاول الطالب / ماهر الدمياطى مقاطعته ، حدثت المشاجرة التى اوحت بعدم قدرة الشيخ / عيد على التعاطى مع الطلاب . ماهر الدمياطى هذا الذى عُين معيدا بالكلية ، تم إلحاقة بجامعة الزقازيق ، وصار عميدا للكلية ، فمديرا للجامعة فيما تلى من سنوات .
 مما حدا بى للاتصال بالشيخ / أحمد المحلاوى الزائع الصيت أيامها وإمام مسجد سيدى جابر ، والذى حضر لالقاء محاضرة خلبت قلوب الطلاب ، وارتبطوا بمسجده الذى جهزه بمعامل لطلاب الطب والصيدلة والهندسة ومعيدين متطوعين لمساعدة الطلاب ، فى منافسة محمودة لبعض الكنائس ، التى أحالها القائمون عليها لمؤسسات علمية لطلاب الجامعات . 
 لم يكن صعبا بعد هذا أن اجمع بعض التبرعات لبناء مسجد صغير بمدخل الكلية ووقفت أؤذن لصلاة الظهر يوم اكتماله ، ثم اتت اجازة الصيف وانتقلت للسنة الدراسية الثالثة بالكلية ، وعند بدء العام الجديد تركت الجماعة الإسلامية لأحد الزملاء ، كان اسمه أمير ، وصار اسما على مسمى وهو يصبح أميرا للجماعة بكلية الصيدلة . 
_________________
 * اتجهت للعمل السياسى وكان الأجواء ملتهبة ، ومظاهرات اليسار المصرى لا تنقطع مطالبة السادات بالحرب .. لاستعادة سيناء المحتلة من براثن الصهاينة ، فى تلك الأيام زار السادات جامعة الإسكندرية ، بعدها تم تخصيص مبلغ 500 جنيها كل اسبوعين لإصدار صحيفة نصف شهرية للجامعة ، أجريت خلالها تحقيقات صحفية ، منها ( الموت فى مطاعم الجامعة ) و ( الصيدلة تختنق ) وحتى تناولنا السادات بالنقد اللاذغ فتوقف الدعم وتوقفت الجريدة .
 فى تلك الأيام كان الموساد نشطا للغاية داخل البلاد وخارجها ، وفى كل الأوساط ليستشف نوايا الجيش المصرى ، وإمكانية أن يخوض حربا لاسترداد الأرض ، وفى المقابل كانت الأجهزة المصرية لا تنام والكل يشارك فى عملية الخداع الإستراتيجى ، الذى انتهى بالعبور .
________________
 * لم أكن منضما لأى من التنظيمات اليسارية ، رغم أننى كنت أتحرك من خلال اليسار المصرى ، فلم يكن هناك غيره على الساحة .. الإخوان كانوا حديثى عهد بالعمل فى الجامعة . واشتهر من بين الجميع طلاب كلية الهندسة .. عصام البرعى ، وحسن عزيز ، وعزيز تعلب – سليل الباشوات – وتيمور الملوانى . 
وكان بكلية الصيدلة جمال عبد الفتاح ومديحة الملوانى شقيقة تيمور واللذين تزوجا فيما بعد . 
 وكان مراد منير طالب كلية الآداب الذى صار مخرجا مسرحيا فى مستقبل الأيام وخطيبته سلفيا طالبة الحقوق المميزة بالبنطلون الأسود والكاب .
كل هذا الزخم الثورى والموساد يحصى على قلب مصر النابض دقاته  ومراكز تشتعل بالنشاط ، كان من من أهمها 
 # ( كنيسة الجيزويت ) .. هذا المبنى الهادئ مظهرا والمشتعل من الداخل ، يقع خلف جامع سيدى جابر بشارع بور سعيد ، على مساحة كبيره من الأرض ، بمجرد أن تدخل من الباب تجد مكتبة عامة على يمينك يرتادها الكثيرين من المسلمين ، وبالمواجهه الكنيسة الفرنسية الطراز ، يلتصق بها مركزا ثقافيا به مكتبة كبيرة للخاصة ودار سينما ، ثم منشآت أخرى تخص الطلاب الذين اعتادوا على استذكار موادهم العلمية بالعديد من القاعات .. 
 فتلك قاعة تأخذ شكل قاعدة عربى ، بطرحات على الأرض ومساند ، والأجواء يتردد فى صداها موسيقى خافتة ، وبالأعلى غرف عديدة على جانبى رواق تجتمع بكل منها من تربطهم صداقات ويرغبون فى الخصوصية ، الى جوارها قاعة أخرى تتسع لعدد كبير تضيئها لبمبات النيون بشكل غير مباشر ، مثبته على فواصل من زجاج مخرفش للمتقابلين على الطاولات الممتدة .. وكانت أعداد غير قليلة تفضل الحديقة الرائعة فيسحبون طاولة وكراسى ليجلسوا بالحديقة التى يكفى ضوءها للمطالعة .
___________________
 * كان اثنين من الآباء الجيزويت يشرفان على الكنيسة والمركز ، كان أهمهما وأخطرهما الأب / ماسون .. الذى يرتدى زيا مدنيا عاديا كحال البروتستانت ويربى سكسوكه خفيفة على ذقنه ، والأب / جيديه .. الذى يرتدى زيا كهنوتيا هادئا فاتح اللون ، وبلا غطاء رأس وكان حليق الذقن والشارب ، هذا الذى مات فيما بعد وساورتنى شكوك فى أنه مات مقتولا .. ولست أعرف لماذا شككت أن الكنيسة هى الفاعل لأسباب أمنية تخصها ، إلا إن كان موته اشاعة وتم سحبه للعمل فى بلد آخر . 
كانت الكنيسة تعج بالحسناوات من طالبات الجامعات . 
 كن قصيرى الجيبات ، منتشرات بكل القاعات ، وكانت الأجواء فى مجملها شبه اسطورية ، بينما البلد تشتعل بالخارج وجيش إسرائيل ينشب أظافره بسيناء الحزينة .
 وكان عم / محمد الجناينى وجها آخر مميزا ، يؤدى عملا آخر فى تقديم المشروبات بحسب الطلب بأسعار رمزية ، له عينان لامعتان تشعان ذكاء ودهاء لا يتناسبان مع كونه فهوجى وجناينى .
___________________
 * كانت الحلقات تتكامل على كامل مساحة المدينة التى عشقها الإسكندر ، ليحيلها من قرية راكوتيس المصرية ، الى أجمل وأشهر مدن البحر المتوسط لتنافس روما وبيزنطة فيما بعد . وعلى مسافة قصيرة بمنطقة كليوباترا كان ( ملاك ) عميل الموساد ، الذى تعود أصوله الى مدينة بور سعيد عميلا نشطا للموساد ، يعمل نهارا بميناء الإسكندرية ، ويأخذ ما يسربه له صديقه ( رودولفو ) البحار اليونانى .. من خراطيش السجائر المستورده والمعلبات وخلافه ، يخفيها على ساقه أسفل البنطلون الشرلستون الشائع فى تلك الأيام ، ويغطى بهذا النشاط غير المشروع على نشاط أكثر خطورة . كان رودولفو جاهزا لمعاونة كل الراغبين فى الهروب خارج البلاد ، من خلال الملاك الخائن وأحد العناصر المكملة للخونة الكبار بأرض رائعة مصر .. الإسكندرية المستلقية فى أحضان بحرها الدافئ الهادر بالجواسيس .
_____________________
 * كثيرا ما كانت تأخذنى الشفقة فى تلك الأيام العصيبة ، بأجهزتنا الأمنية ، كيف سيتعاملون مع الوباء الذى استشرى ، كنت أرجح أن الاختراق والتغلغل هو الوسيلة المثلى ، لحل الألغاز ومحاصرة النيران التى تشتعل بقلب مصر ، الصابرة على النائبات من الخارج والداخل ، وكثيرا ما تساءلت وجلا .. هل الاختراق متبادل ، أيكون لهم عيون بين رجالنا . انتابتنى تلك الهواجس فى الليلة التى رأيت فيها المشرف على قاعة الاستماع للموسيقى الكلاسيك ، بقاعة الموسيقى بالمركز الثقافى السوفيتى ، خارجا من قاعة السينما بمركز الجيزويت ، والذى يشبه كثيرا الإعلامى " ابراهيم عيسى " ، ولا يحضرنى اسمه ولكننا كثيرا ما كنا نلتقى بالقاعة . رآنى كما رأيته فاضطرب ولفت وجهه لجهة اليسار ، على أمل ألا أكون قد تحققت منه ، على ضوء الإنارة المحدودة .. كنت أفترض أن هنا يوجد الموساد ، وهناك استخبارات روسيا ، فمن الذى لم الشامى على المغربى ، ومن الذى اخترق الآخر . كما كانت تفاصيل دقيقة ببيت الشباب العالمى بالشاطبى ، وكنت دائم التردد عليه وأعرف القائمين على أمره ، والمفترض أنه يخضع بطريقة أو أخرى للأمن المصرى ، كانت تلك التفاصيل تتردد عند الجيزويت ، وكان الإسرائيليون هم أكثر الجنسيات المترددة على هذا البيت ، وضعه وضع بيت الشباب العالمى بالزمالك بالقاهرة . 
 كان بيت الشباب بالإسكندرية مقابلا لكلية سان مارك العريقة ذات المساحة المهولة التى تمتد بين الشارعين الرئيسين بالإسكندرية ، والتى بها جناح كبير للقسم الداخلى يسكن به طلاب الجامعة الأثرياء ، وبعض طلاب المدرسة العملاقة التى تضم كل مراحل التعليم باللغات الأجنية والذين لا تجد أسرهم وقتا لرعايتهم . وكان هذا المكان ايضا يشتعل بالنشاطات المختلفة ووكرا لأجهزة استخبارات تمرح على أرض بلادنا ، وتتخذ شكلا دينيا لممارسة نشاطها المحموم . 
______________________
 يكفينا هذا القدر المختصر من هذا الفصل الذى كشف تضاريس الأرض التى تنمو فوقها الخيانة لننتقل الى عاصمة الجواسيس .. لندن .
___________
 * كانت علاقتى قد توثقت بالدكتور ( ع . ز ) والدكتور ( و . ص ) من أساتذة الجامعة بالإسكندرية ، وكان واضحا أن كلاهما تربطه علاقة ما بأجهزتنا المصرية ، وأيضا تلاشت المسافات بينى وبين العميد ( م . ك . س ) بالقوات المسلحة وكان زوجا لقريبة لى ، وصديقه الحميم اللواء ( م . ك ) بالمعاش وكان رئيسا لجمعية الصداقة المصرية السوفيتية .
 والحقيقة أن الدكتور ( ع . ز ) كان موسوعة فى أعمال المخابرات ومفكرا اشتراكيا من الطراز الأول ، وكنت شديد التأثر بفكره حتى وجدت نفسى مع الوقت صورة مصغرة منه .
______________________
 * سافرت الى مدينة الضباب لندن وأنا ملم بأشياء كثيرة ، وكان هذا ضروريا فهناك كان منتظرا ، أن أقع فى فخاخ الجواسيس ، وكان أملى وأنا شاب يافع أن أعثر على الكثير من الأسماك السوداء لأضعها على مائدة النور فى بلادى ، لتشريحها كما نفعل مع فئران التجارب بالكلية ، وهناك بدون أى فعل منى عملت بأهم المواقع التى يسيطر عليها الموساد .
 كانت كل شبكة للموساد أمامها شبكة مضادة من المخابرات المصرية ، وكان هزيمة الموساد فى حرب العبور ، تؤلمه حتى النخاع ، وتعطيه الحافز ليعمل ليل نهار حتى لا يقع فى حفرة النيران مرة أخرى . كانت منطقة ( بادنج تون ) ، و( إيرلسكورت ) وشارع (كوينز واى ) هى المناطق التى تعج بالمصريين ، والى جوارهم تجمعات اليهود ، والإيطاليين ، وبعض الأتراك . 
وعملت فى أماكن عديدة سأذكر أهمها لدلالتها الواضحة .. 
________________________
( 1 ) 
 * مصنع للحلى والإكسسوارات بمنطقة ( شارنج كروس ) ، والتى بها المستشفى التى كانت تعالج بعضا من جرحى حرب اكتوبر ، وأذكر ذات يوم حين شعرت بألم فى صدرى أن ذهبت الى هناك ، وهالنى ما رأيت من النظافة والرقى ، حتى أن بلاط المستشفى اللامع كان يعكس شكل سيقان الممرضات الحسناوات ، وعلى الفور وضعونى على كرسى متحرك ، وصعدوا بى الى الدور الثانى ، أجريت الأشعة ، ونزلت بى الممرضة الى استقبال المستشفى ، وهناك كان نحو خمسة أطباء تناقلوا صورة الأشعة فيما بينهم . استمع أحدهم الى دقات قلبى من خلال السماعة ، ولكن كان هناك من لفت نظرى .. شاب صغير بينهم ، طويل القامة ، قمحاوى اللون ، له عينان كبيرتان ، أحسست أنه مصرى رغم أنه لم ينطق كلمة بلغتناالعربية ، التقطت له صورة ذهنية لم تفارق مخيلتى أبدا حتى بعد مضى أربعين سنة عليها ، وبعد سنوات من تلك الواقعة رأيته على شاشة التلفاز فى مصر .. وعرفت أنه الدكتور ( مجدى يعقوب ) جراح القلب الشهير . 
................................. 
 كان مصنع الإسسوارات والحلى ملكا لمليونير يهودي .. يتحرك داخل لندن بسيارة رولزرويس ، فإن غادر العاصمة فبطائرته الهيلوكابتر ، وإن غادر انجلترا فطائرته النفاثة قابعة فى المطار فى انتظاره دوما . عملت بضعة أيام بالورشة الكبرى بالدور الأرضى ، على ماكينة لحام أجمع أجزاء الحلقان والغوايش والخواتم ، كنت أنتج نحو ثلاثة أضعاف العامل العادى ومن اليوم الأول ، بضعة أيام وصدرت تعليمات بنقلى الى الدور الثالث وهو مكان عرفت أنه محرم على المصريين ، حيث الحلى فى صورتها النهائية داخل الصناديق ، ويخافون أن يسرقها العمال ، كنت أغلق الصناديق بأحزمة بلاستيكية ، من خلال آله بسيطة ، وأكتب العنوان الذى سيسافر اليه الطرد ، وأضعها على الرف لينقلها آخرون لتشحن بالطائرات الى الخارج . 
 بالدور الثانى كانت الفتيات بصاله كبيرة يقمن بتلوين المشغولات ، من بينهن كانت فتاة مصرية أقامت معى بغرفتى بالفندق الذى أقيم فيه ، خلال الأسبوع الأول من وصولها لندن ، كانت من شبرا . 
وكان هذا المصنع أحد المحطات التى يمر عليها المستهدفين بالتجنيد لتقييمهم .
________________________
( 2 ) 
 * عملت بأحد فروع الومبى بإيرلسكورت ، كانت مديرة الفرع فتاة يهودية فى كل ملمح من ملامح وجهها ، ولا زلت أذكر نوع السجائر التى كانت تشربها " كادت " ، وغالبا ما كنت استقبل الراقصات المصريات بكباريهات سوهو ذات الطراز الشرقى لتناول وجبة الإفطار الإفطار، إن كانت وردية عملى من منتصف الليل وحتى الثامنة صباحا ، .
_________________________
( 3 )
 * عملت بمطعم للأسماك حيث يبدأ العمل من الرابعة مساء وحتى منتصف الليل .. وايضا كان صاحبه يهوديا ، كان متزوجا حديثا تأتى زوجته لتزور المحل أحيانا ، تضع طفلها الصغير فى عربة تدفعها أمامها ، كان الرجل شديد الحب لطفله الصغير ، وكان جاد ومجتهدا فى عمله ، تحس فيه طيبة القلب على غير المعهود ممن عملنا معهم من اليهود ، والطريف أننى حين سافرت الى لندن بعد خمسة وعشرين عاما ، وبعد انهيار برجى التجارة فى أمريكا بخمسين يوما تقريبا حيث سافرت يوم 30 ديسمبر وعدت يوم 10 يناير . كنت أتجول بنفس الأماكن التى تجولت فيها شابا صغيرا ، وصدفة دخلت مطعما للأسماك ، ورأيت رجلا تجاوز الخمسين من عمره كما بدا عليه ، بينما شاب فى نحو الخامسة والعشرين من عمره يعمل على مقربة منه ، وفى ثوان معدودة ، تذكرت ، هذا هو المطعم الذى عملت فيه من قبل ، فقط تغير وضع جهاز القلى .. كان الى جوار الحائط ويفصلنا علن الزبائن فاترينة عليها ماكينة الكاشير ، أصبحت القلايه نفسها هى التى تفصل الزبائن عن منطقة العمل ، وهذا الرجل هو نفس الشاب الذى عملت لديه ، ومؤكد هذا الشاب الذى يشبهه ، هو نفس الطفل الذى كانت تأتى به أمه تدفعه أمامها وهو نائم فى عربة الأطفال .
 بهرنى الموقف فصحت أقول أننى عملت فى هذا المكان منذ ربع قرن وأنهم فقط غيروا وضع الأشياء ، نظر الى الرجل ، سبحان الله العينان لا تتغيران أبدا . لم ينطق الرجل ببنت شفه وكأن الطير فوق رأسه . كأنه يخشى من الحديث ولست أدرى لماذا !
__________________________
( 4 ) 
 * والآن جاء دور أخطر الأماكن .. انه مطعم " الهيليبى " اليهودى الذى سمعت أنه سكندرى الأصل كان لديه ولدين .. " بوستاجى " و " استاورو "
 وكان مطعمه هو الأشهر فى لندن بين العرب وبشكل عام بين السائحين لما يقدمه من أكلات شرقية محببه الى الجميع من المشويات الضانى ، ولحم الغزلان ، والشاورما الشهيرة العملاقة التى جعلها فى مدخل المطعم ، وكانت هى العمل الذى أوكله إلى ، وفى داخل الكابينة الزجاجية كنت أقف يوميا أمام قمع الشاورما الضخم الذي لا يكف عن الدوران امام النار ، ممسكا سيفا بيدى أسلخ به الشرائح السطحية الناضجة وأضعها بالخبز مع نوع السلطه الذى يفضله الزبون ، كان الكثيرون يأتون لتناول الشاورما فى الغداء والعشاء وهم مبهورون بذلك الفرعون الصغير الذى يقف يسن السكاكين بعضها ببعض ويداعبهم طوال الوقت ، وبداخل المطعم كانت تعمل فتاتين رائعتا الجمال قدمت احداهما اعلانا تليفزيونيا عن المطعم وكانتا بالطبع يهوديتين .
 كان المطعم أكبر مركز يلتقى من خلاله الجواسيس العاملين وايضا الخاضعين لمحاولات التجنيد وكان " البار " يحذب العديد من غير الراغبين فى تناول الطعام ، وغالبا ما كنت ترى رقصات تقوم بها بعض الفتيات المنتشيات المصاحبات للأشقاء العرب ، تحت الأضواء الخافته والملونة .
 كانت خيوط الشبكة المهولة فى لندن تتجمع خيوطها المتناثرة تنسج ثوبا كبيرا من الخيانة يلقى سدوله على كامل عاصمة الضباب 
_______________________ 
 * حتى الصيادلة اليهود لم يتأخروا لحظة فى تقديم الخدمات دون طلب من الدولة الأم- إسرائيل – وهم يشعرون بالشفقة على بلادهم بعد انتكاستها أمام أول تخطيط عربى محترم فى حرب العبور.
 فذات يوم دخلت صيدلية بشارع متفرع من " أكسفورد ستريت "، فلفت الصيدلانية ذلك الشاب الضحوك والذى يبدو عليه الميل الى مشاكسة الحسناوات وهو يغازل البائعة ، فقامت مبتسمة وهى تلتقط طرف الحديث ، وتطرقنا الى مهنة الصيدلة فى مصر ، وبهرتنى تلك الماكينة التى لا يتجاوز حجمها الآلة الكاتبة القديمة التى كانت شائعة بتلك الأيام ، وضعت أمامى فى تجويف على سطحها بودرة " اسيتيل ساليسلك أسد " وهى المادة الخام للأسبرين ، وضغطت ذرا صغيرا فأخرجت الماكينة كبسولات من الجهة الأخرى بالجرعة والعدد الذى حددته .
...................................
 وقبل أن أنصرف أبدت رغبتها فى تعريفى على صديقتها المصرية ، وأعطتنى تليفونها ، وفى اليوم الثانى وبعد مكالمة تليفونية كنت أشق طريقى وسط منطقة هادئة وراقية للغاية ، وبضغطة صغيرة على جرس الباب الخارجى للمبنى فتحت محدثتى الباب وصعدت الى الدور الثالث ، لأجد سيدة فى العقد الخامس رقيقة الملامح تتحث اللهجة المصرية ، وعرفت أنها من سلالة باشوات مصر ، وانها تقيم فى لندن بعد عمليات التأميم التى قام عبد الناصر بها بعد ثورة يوليو ، وأن اسمها برنسس " فيوزى " .. وبعد قليل دخلت فتاة ذات ملامح وقوام عربى يعلنه الجينز الضيق الذى ترتديه ، لتقدم لنا عصير التفاح ، وبادرت هى تعرفنى بها قائلة : 
: صديقتى الأردنية علياء 
 وكان واضحا للأعمى أن الشقة وربما كامل البيت ، أحد مقرات الموساد .. الذى لا يهدأ وهو يجند كل من يقع تحت يديه وبأى وسيلة .
 • الخيوط تتجمع والشبكة تتسع ، وقلب مصر يئن من الخيانة ، وأحسست أن الوقت قد حان لأتصل بالمخابرات المصرية ، لأقدم شمعة قد تضئ أروقة مظلمة يعتم عليها ضباب لندن .
________________________
 • ولكن كيف سأفلت من المراقبة ، يجب أن يكون الوقت قصيرا للغاية ، وبدون استعمال للأحبال الصوتية التى أنعم بها الله على البشر ، يجب أن يكون تقريرا مكتوبا ، اسلمه دون أن يدرك أحد ولو كان واقفا الى جوارى ، ودون اعطاء الفرصة للكاميرات وأجهزة التنصت . وأضحك الآن من ذالك الفرعون الصغير ، والذى أقحم نفسه فى عش الدبابير ، يريد أن يلتهمها دون أن تطاله لسعاتها السامة 
 • كان على أن استغل صفة عرفها عنى كل المحيطين بى ، فكثيرا ما كنت أصطحب كتابا بيدى لأقرأه ، حتى أننى كنت قد اصطحبت معى من مصر كتاب رائع عن الاشتراكية للكاتب المبدع الذى تأثرت به كثيرا فى مطلع شبابى " بول م- سويزى " وما يزال هذا الكتاب حتى اليوم بمكتبتى ، وعادة ما كنت اصطحب اوراقا بيدى واجلس فى أحد الزوايا بمقاهى كبار السن الهادئة ، ومن خلف الزجاج كنت أجلس أنظر الى المارة بالشارع ، واكتب قصة قصيرة .. 
قلت لنفسى رائع ما أفكر فيه ، فلتكن تلك هى خطتى للهروب من المراقبة والوصول الى رجلنا هناك .
________________________
 • وكما كنت أغير عملى كثيرا سواء بإرادتى أو بأسليب يتبعها أصحاب العمل حين يكون القرار أن أعمل فى مكان آخر ، غيرت سكنى مرات عديدة ، ومن المنطقى أن يكمل السكن الحلقة التى ستضيق عليك إن كنت هدفا لجهاز ما .
________________________
• أذكر أننى أقمت يوما فى " اسبرنج ستريت " والتى تعنى -  شارع الربيع - بمنطقة بادنج تون ، وعلى ناصية الشارع كان " البب " والكلمة تعنى المقهى الذى يقدم قرعة البيرة الزجاجية .. يسمون الكوب الكبير منها " لاجر " والصغير " هاف لاجر " وكان المصريون والطلاينة والإسرائيليون المتنكرين دوما يمضون سهراتهم فى هذا المقهى الذى يحوى دورا تانيا يطل على دائرة الرقص حيث تتراص الطاولات وحولها المقاعد لراغبى الخصوصية ، كان المقهى يكمل حلقات الموساد ، وكنت معتادا السهر فيه بعد العمل ، وكان الأيطاليين يخشون المصريين بسبب الحماية التى يوفرها اثنين من المصريين .. فتوة " كوينز واى " – سمير الإسكندرانى – الشاب المصرى المتزوج من إيرلندية والتى كانت تجيد عمل فتة الكوارع بالتوم والخل وتعزم أصدقاء زوجها من المصريين ، كان عملاقا مفتول العضلات طيب التعامل يصطحب كلبه الضخم عادة الى مقهى أم كلثوم الذى تديره فتاة يهودية فى الأربعينات نحيفة زرقاء العينين تقدم شيش المعسل للمصريين ، وتهوى ممارسة الجنس مع كل الرواد . 
________________________
 • أما الشخص الثانى فكان " على اللال " وكلاهما يعمل لحساب الموساد ، ولكن "على " ابن العطارين بالإسكندرية كان همجيا جاهز للقتل دائما ، مشهور بصياعته ، وتمت تصفيته بالإسكندرية فى إحدى زياراته لمصر ، والأرجح أنه آذى أو قتل أحد عيوننا هناك فقتلته المخابرات المصرية على الأرجح وكان يستحق عن جدارة هذا المصير الأسود . وعلمت هذا بعد مضى سنوات طويله على الواقعة بالصدفة .
_________________________
 • تأثرت بجو الصياعة والفتوات ، حتى أن " ميلاد " الشاب المسيحى الطيب صغير السن ، كان يقيم بأحد غرف الفندق ،وكان ايضا " محمد " ابن المنتج السينمائى " ابراهيم عسقلانى " الذى كان قد انتج ايامها فيلم " وجها لوجه " وكان محمد قد أتى الى لندن بغية دراسة الإخراج السينمائى ، اتى الينا ميلاد مكفهر الوجه يخبرنا أن شابا من دولة بترولية بالدور الرابع حاول الاعتداء عليه وراوده عن نفسه . غلى الدم فى عروقى فطلبت منه أن يخبرنى حين يكون موجودا بغرفته . مضت ساعات قليلة واتى ليخبرنى أن الشاب العربى قد وصل ، فتركت المقهى وأصر شاب مصرى على اصطحابى وميلاد ، وصعدت الى المتحرش ، ودخلنا غرفته وببساطه فتحت مطواة قرن غزال كانت مع ميلاد وضعتها ملاصقة لعنقه وأنا أطلب منه بحدة أن يركع على الأرض ليقبل قدم المصرى الذى تحرش به ، وفى لحظة كان ينفذ الأمر وقد أُسقط فى يده ، وفى اليوم التالى غادر الفندق هربا الى مكان آخر .
_______________________
 • واقعة أخيرة قبل دخول المخابرات المصرية على الخط ، ففى الهايد بارك كورنر .. الحديقة الشهيرة التى تجتمع فيها كل السائحين فى لندن ليستمعوا الى اصحاب الأفكار الذين يعتلى كل منهم كرسى مرتفع يقف عليه خطيبا يدافع عن أفكاره ويدخل فى نقاش مع الجمهور ، كنت معتادا أن أرتادها فى أيام الآحاد ، أمشى فى مظاهرة أو اشتبك مع أحد المتحدثين ، واحمل بعض منتجات خان الخليلى لأبيعها للسواح أفرشها على السور فوق قماشة وأقف مناديا باللغة الإنجليزية ( come here before the police man come )
 والتى تعنى بالعربية .. " قرب قرب قرب .. قبل ما البوليس ييجى " فقد كان ممنوعا البيع بدون ترخيص ، وفى هذا الأحد التقيته وجها وجها .. صديقى بكلية الصيدلة جامعة الإسكندرية والمتعثر دراسيا .. وكنت اعرف انه يخطط للسفر الى لندن بلا عودة ، لم يكن من السهل التعرف عليه وهو يرتدى بدلة كاملة بدون كرافت ويعتمر قبعة كبيرة إيطالية الطراز ، وبالفعل كان صموئيل يشبه الى حد كبير الطلاينة . 
 مشينا نتناول سندوشات " الهوت دوجز " أخبرته انى اعمل لدى مطعم " الهيليبى " بكوينز واى ، وأقيم بفندق بمنطقة بادنج تون ، وأخبرنى أنه تزوج مدنيا من فتاه مصرية بكلية التجارة لم ترغب فى استكمال دراستها وأتت معه الى لندن ، وأنهما يقيمان معا بغرفة فى بيت هادئ ايجار الغرفة 6 جنيهات اسبوعيا وهو ما يساوى عمل 3 ساعات فقط بالمطعم ، وأنه قريب من محطة " نتنج هيل جيت " وهى التالية لمحطة بادنج تون ،والقرببة ايضا من كوينز واى ، ومحل الهيليبى - وبالفعل فيما تلى كنت أقطع تلك المسافات سيرا على الأقدام من شوارع جانبية - . أخبرنى أن البيت تمتلكه سيدة انجليزية ، وان البيت ليس به غيره وزوجته وتلك السيدة المسنة التى تقيم بالدور الأرضى ويزورها فى أيام الآحاد حفيداتها الحسناوات .
_______________________
* أدركت على الفور أن " البيت الآمن " يلوح فى الأفق .
أيام قليله تلت وانتقلت الى الدور الرابع فوق الدور الذى يقيم فيه صموئيل .
 كانت مدام جليز طيبة القلب ، لم تقل أبدا أنها يهودية ، ولكن السلالة كانت واضحة فى ملامحها واسلوبها وملامح حفيداتها الحسناوات . كثيرا ما كانت تدعونى لتناول الحلوى معها فى المساء ، وعرفت أنها كانت تعمل بالسفارة الإنجليزية بجنوب أفريقيا . وببيتها أمضيت أهدأ الأيام التى عشتها بلندن ، أحيانا كنت وصموئيل نذهب الى مطعم البيتزا الذى تعمل فيه " ليزا " زوجته لتناول العشاء . وكان هو يأتى لمطعم الهيليبى ليتناول الشاورما الرائعة التى نقدمها لعملائنا .
.........................................
 * واقعة لها دلالتها العميقة حدثت فى هذا البيت ، فقد أهدانى صموئيل تليفزيون لم يكن بحاجة اليه بعد أن اشترى آخر جديد أ وأخبرنى أن به عيبا بسيطا سيبحث عمن يصلحة ، فشكرته ووضعت التليفزيون على طاولة بجوار المدفأة ، ولأن الشك هو سيد الأخلاق فى تلك الأجواء فقد افترضت أنه ليس أكثر من شاشة للمراقبة أعدها بيده وهذا لا يحتاج الى تدريب شاق ، وكان على اختبار الموقف .. فعدت ذات مساء الى غرفتى أحمل مجموعة أوراق كنت أكتب عليها إحدى قصصى القصيرة ، أظهرت قليلا من الارتباك وأنا أضع الأوراق داخل الدولاب وليس على الطاولة كما اعتدت ، وضعت منشفة على كتفى وقصدت الحوض لأغسل وجهى ، وبتصرف عفوى جففت وجهى ونشرت الفوطة على التليفزيون . 
مضت دقائق قليلة ليطرق صموئيل الباب فتحت له ليدخل متباطئا يدور فى الغرفة بعينين متفحصتين ، 
 وأول ما نظر اليه كانت الفوطة التى تغطى شاشة التلفاز ، وبالطبع لم أكن بحاجة الى أكثر من هذا لأتيقن مما كنت أشك فيه ، كانت شاشة التلفاز للمراقبة ، وكنت متيقنا أن هناك غيرها ، ولكن تخص آخرين غير صموئيل بنفس المبنى وربما ببيت ملاصق . 
 فى هذا السكن كان قرارى أن الوقت قد صار مناسبا لإيصال المعلومات ، لرجلنا فى لندن بعد أن تكاملت الصورة .
______________________
 وكان يوم الأحد وخرجت أرتدى الجاكت الشمواه الطويل ذا الجيوب الأربعة الجلدية ، وأوراقى ، وقلمى ، وقلم آخر من باب الاحتياط فالتقرير يجب أن ينتهى فى جلسة واحدة ، وألا احتفظ به أكثر من سواد الليل ، وإلا فسوف أكون فى مأذق يعلم الله الى أين سينتهى ، وغالبا تكون حياتك ثمنا لفعل كهذا 
 • أخذت مترو الأنفاق من محطة " نوتنج هيل جيت " الى الهيد بارك كورنر وهناك التقيت بالكثيرين من الأصدقاء ، استأذنتهم لأن الوحى هبط من السماء وسأكتب قصة جديدة ، كانت المقاعد الرخامية تنتشر فى كل مكان لمن يرغب فى الاستراحة ، وجلست أكتب قصتى ، وعلى ورقة أخرى أكتب تقريرا يخترق الهدف بكلمات مختصرة ، أتجول بعينى لأرى من حولى ، وحين يقترب أحد المعارف يطمئن على حالة الوحى أبدل وضع الأوراق وأظهر ما كتبت من القصة ، وأصر أن يجلس ليستمع الى مقطع أبين عدم رضائى عنه ، فكان يطمئن ويمضى ليطمئن آخرين شغوفين بمعرفة ما أكتب .
_______________________
 • شمل التقرير كل أعضاء الشبكة بالإسكندرية ولندن والعناوين المطلوبة بل وأرقام تليفونات بعض الأشخاص .. أين أنا من تلك الذكرة التليفزيونية التى كنت أستمتع بها ، حتى أننى كنت أمشى بالشارع أحفظ أرقام السيارات ، ومن المضحك أن زملائي بالجامعة النشطين سياسيا ، كانوا يعتمدون على فى كشف كل أفراد أمن الدولة من حولنا ، فكنت أضحك وأتجول بنظرى يمنة ويسره وأشير الى بعض الأفراد ،فيرد أحد الزملاء قائلا : على الطلاق همه .. البكرى مخاوى الجن يا رجالة . وطبعا لاجن ولا غيره كانت حاسة تنمو تلقائيا مع الوقت 
 • وضعت التقرير بجيب الجاكت الداخلى ، وأتى أصدقائى يلعنون الوحى الذى يحرمنى من الاستمتاع بيوم العطلة فقمت معهم ، وبعد قليل تفرقنا والكل يبحث فتاه من القادمات الى لندن للسياحة ليصطحبها فى نزهة ويوفر عليها أجرة الأوتيل وهو يدعوها لغرفته ، كما يفعلون أحيانا وهم ينتظرون بمحطة فيكتوريا للقطار ، والتى تحمل السياح القادمين ،وكانت تلك المحطة بالفعل تكتظ بالسمكات القابلات للصيد ولم تكن السنارة تخطئ إلا نادرا . 
________________________
 • تصرفت بشكل طبيعى ومعتاد وأنا التقى بفتاه تمشى تحدث الناس عن المسيح ، حدثتها وتعارفنا وأخبرتنى أنها من إحدى دول أمريكا اللاتينية ، كانت لغتها الإنجليزية جيدة ، ولست أدرى لماذا شككت أنها مصرية ، لم يكن يعنينى كثيرا من تكون ، المهم الآن أن تمشى الأمور بشكل لا يثير تساؤلات ، اتت معى الى غرفتى ، وهناك اعتذرت وهى تؤكد أنها فتاة مؤمنة ، ولا ترتكب الفواحش فحمدت الله ، تناولنا عصير البرتقال ، وأمضينا وقتا للاسترخاء ، خرجنا بعدها وتركتنى لتمضى لحالها ، وذهبت لألتقى بأصدقائى وأسأل كل من أراه : كيف أسجل اسمى بالسفارة المصرية لأن فترة السماح للتسجيل المجانى وهى ستة أشهر شارفت على الانتهاء ، وستوقع على الغرامة خلال أيام إن لم أبادر بالذهاب غدا خصوصا وأن عملى يبدأ بعد الظهر مما يعطينى فرصة للذهاب والعودة الى العمل . 
 • قاومت رغبة تحسس التقرير بجيبى عدة مرات حتى لا تلحظ العيون المدربة والعقول الذكية من حولى ما أنا بصدده ، وعدت الى غرفتى ونمت والتقرير الى جوار قلبى ، وكنت حريصا ألا اتناول أى طعام أو عصير مما كان بغرفتى ،حتى أننى حين أحسست بالعطش الى الماء ، قمت أغسل وجهى بماء الصنبور ، وأسرب بعضا من الماء الى جوفى .
__________________________
 • نمت شبه متيقظ وقبل أن أغادر سريرى فى الصباح ومن تحت الغطاء ، نقلت التقرير الى جيب الترننج ، وقمت متعجلا غسلت وجهى وعدت لأرتدى القميص ، ثم تظاهرت كأنى تذكرت فجأة أنى أرغب فى دخول الحمام مرة أخرى وهناك نقلت التقرير الى جيب القميص ، وخرجت أكمل ملابسى .
تركت غرفتى قاصدا السفارة المصرية ،  وبمجرد أن اجتزت باب السفارة حيث المصطبة الصغيرة عن يمينك تلى الباب ، ولست أدرى لماذا كانت تلك المصطبة المبنية بالطوب والأسمنت وعليها مفرش يدوى من صنع المصريين .. 
أقول بمجرد دخولى أُسقط فى يدى وهالنى ما رأيت ولم أتوقعه !
• كان كل الجواسيس ومنهم من ورد اسمه بالتقرير ، يملؤون صالة السفارة .. " سمير الاسكندرانى"  و" على اللال " ووجوه كثيره لم أشك فيها من قبل ولكنى فى تلك اللحظة فقط وضعتهم فى دائرة الشك ما لم تكن الصدفة هى التى أتت بهم ، عموما كانت هناك ظلالا من الريبة والشك تحوم فى سماء قلبى وعقلى ، وقد أصبح كل من بالسفارة من الوجوه الجديدة التى عرفتها من قبل ولم يتطرق اليهم الشك متهمين حتى تثبت براءتهم .
• __________________________
 • ألقيت التحية على المنتظرين بالقاعة وسلمت باليد على من أعرفهم وجلست بينهم أتندر على طابور الجمعية الذى انتقل من مصر الى سفارتها وعلى المصطبة الغريبة التى بنوها بجوار الباب ، نظرت الى يسار القاعة فرأيت بابا بأربعة ضلف ، مفتوح منهم ضلفة واحدة كان مدهونا بالزيت بلون أبيض ، وعليه زجاج مخرفش لا يظهر من وراءه ، وإن كان الضلفة المفتوحة تظهر موظفا ينكب بوجهه يراجع بعض الأوراق . 
كان التقرير بجيب القميص أسفل الجاكت  . قمت من مكانى غاضبا حانقا على السفارة وموظفيها المتلكعين ، ودخلت الفرفة التى لا أعرف كنه الموظف الذى بها لأساله بصوت مسموع .. متى ستنتهى الإجراءات لأنى مرتبط بميعاد عملى ، كان أمامه مجموعة من الكتب ، وفى لحظة أخرجت التقرير ودسسته أسفل الكتاب الأول وهو ينظر الى مندهشا ، فنظرت اليه بحدة حتى لا ينهطل ويسألنى عما فعلت ، ولم أزد عن عبارة واحدة بصوت خفيض ..( دا للملحق العسكرى ) واستدرت مسرعا لأخرج . 
 دقيقة من عمر الزمان أنهت معاناتى ، وكانت كافية ليتخذ أحد الجواسيس قرارا بالدخول للسؤال بدوره ، عن الاجراءات .. كشف نفسة حيلة ماما ، ولو كان بالسفارة كاميرا مراقبة لأكملت هى ما نقص التقرير .. 
 • وبعد يومين أتى الى مطعم الهلبى رجلا له عيون متفحصة سألنى عن أنواع الطعام ، ولكنى تأكدت من عيون من حولى وسؤالهم عما كان يريد .. أن التقرير قد وصل وأن السفارة قد بدأت تحرياتها الخاصة .. 
• وللحديث بقية !
 ملحوظة : تم رفع جميع الأسماء التى قد تسبب حرجا فى ظل الظروف الحاليل للبلاد ، ويجب الاستئذان من أى جهة قبل الإعلان عنها !
____________________________________________
* ( منظمة قبول الآخر لحقوق الإنسان 
 .... المركز القومى للدراسات الإستراتيجية والأمنية والسياسية د / محمد البكرى )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق