الجمعة، 12 يوليو 2019

حكاية الرجل الذى نصح ابنه أن يتزوج رجلا قصة للدكتور محمد البكري

( حكاية الرجل الذى نصح ابنه أن يتزوج رجلا )
اهداء الى زوجات أولادى وكل بنات مصر -
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
*حكى لى جدى أن رجلا حضره الموت فنظر الى ابنه الوحيد قائلا :
: يابنى لن أحيا لأزوجك ، فاعمل بوصيتى وتزوج ( رجل بنت رجل ) ، قالها ثم خرج السر الإلهى ومات الأب .
* ظل الابن مهموما لأيام الى أن خرج يوما هائما على وجهه ، الى جوار شط الترعة حتى وصل قرية مجاورة ، فإذا بشيخ يجلس على الشط ، يشعل نارا ليعد كوبا من الشاى ، فألقى عليه السلام فدعاه الشيخ ليتناول معاه الشاى فجلس ، وحين نظر الى اليمين رأى شابا مليح الوجه ، يلبس جلبية الرجال ويضع عمامة على رأسه ، ويمسك بيديه " البدال " يديره  ليخرج الماء من الترعة ، لتروى الحقل ، وقد حسر ثوبه قليلا عن ساقيه ، فما أن التقت عيناهما حتى شعر الشاب بالخجل ، ومد يده يسحب ملابسه ليستر ساقيه .
_____________
* وبينما الابن الحزين لموت والده  يحتسى الشاى مع الشيخ سأله قائلا :
: يا عم لقد توفى أبى منذ أيام وأوصانى أن أتزوج رجل بنت رجل .
فرد عليه الشيخ مبتسما وهو يقول :
: أباك على حق .. وأنا عندى ما طلبه أبوك .. وسوف أزوجك هذا الشاب الذى ترى .
قال الابن وهو لا يفهم مرمى الشيخ :
: ماذا تقصد يا عم ؟
فقال له يابنى :
: الذى تراه هذه فتاه رائعة الحسن وليست رجلا .. انها ابنتى ونور عينى ، وهى بعشرة رجال ، تحمل عنى أعباء العمل فى الحقل والبيت بعد أن توفت أمها ، وأنا كما ترى شيخ كبير  ، وهى تلبس لبس الرجال حتى تعمل بالحقل ، دون أن يلتفت اليها عابر .
______________
* لم يعد الشاب الى قريته حتى تزوج الفتاة ، التى أحالت حياته الى فرح وسرور ، كان يعود من حقله فيجد الدار نظيفة ، وقد رشت المندره بالماء ، والملح بالأركان ليمنع الحسد عن البيت ، تضع عن يمينه مشنة العيش المقمر الساخن ، وأمامه الجبن والجرجير وما يرزقهما الله من نتاج الحقل من طماطم وخيار وباذنجان ، بينما تقف هى تحمل الماء فى يدها إن احتاج أن يشرب ، وتظل هكذا حتى ينتهى من طعامه ، فتجرى لتحمل أبريق الماء وإناء صغير ليغسل يديه ، ثم تحملهما من أمامه وتعود بعد قليل ، بأحلى ثوب ، وقد تعطرت ، لتعد له كوب الشاى .
واستمر الحال هكذا شهورا حتى ذاع صيت تلك الزوجه ، بين أهالى القرية ، وتمنى كل رجل أن يرزقه بمثلها .
_______________
* دبت الغيرة بين نساء القرية فعقدن العزم على إفساد تلك الزوجة التى ما صار لأزواجهن حكاية غيرها . تقربن منها وبدأن اللعب بعقلها وهن ينصحنها ألا تتفانى فى خدمة زوجها ، حتى لا يعتاد على هذا ولا تجنى هى غير التعب . نصحنها ألا تعد له الغذاء حين يعود من الحقل ، وأن تتركه هو يعده لنفسه بحجة أنها مجهدة ، وألا تهتم كثيرا برعاية الحيوانات التى بزريبة البيت ، ليقوم هو بهذا العمل .
ومرت أيام على هذا الحال والزوج لا يفهم ماذا أصاب زوجته ، حتى مل َّ وأصابه الضجر ، فاصطحبها الى بيت أبيها يشكو له حال ابنته ، وما طرأ عليها من تغيير لا يفهمه !
هز الشيخ رأسه وقال لزوج ابنته :
: القمر بدر الليلة فقم لتعود الى دارك ، ولا ترجع إلا بعد شهر كامل .. حين ترى البدر كاملا فى السماء ، ولا تقدم أو تؤخر هذا الموعد مهما حدث ..
فقام الشاب يودع حماه وانصرف .
_______________
* وما أن انصرف الزوج حتى قام الشيخ يطلب من ابنته ألا تنام حتى تغسل له كل ثيابه وتنشرها على سطح المنزل ، وما أن انتهت حتى أمرها أن تنظف الدار التى امتلأت غبارا بعد رحيلها .. حتى نامت وقد أهلكها التعب ..
وحين أذن الفجر قام الشيخ الى ابنته يطلب منها أن ترفع السبخ من زريبة البهائم ، ثم تنقله على الحمار الى الحقل ، ثم تجهز نفسها لتسقى الزرع بعد ذلك ، وبعد صلاة العصر طلب منها أن تحمل القمح الى وابور الطحين وأن تعود بالدقيق ، لتجهز الحطب حتى تستيقظ عند فجر اليوم التالى لتخبز ما يكفيهما شهرا كاملا .
وعلى هذا المنوال استمرت حياتها شهرا كاملا لم تعرف معنى الراحة لحظة واحدة
________________
 * واكتمل البدر وعاد الزوج الى حماه ليطلب ابنته ، فطلب منه أن يبيت الى جواره ، وحين أذن المؤذن لصلاة الفجر قال له :
: قم الى الصلاة بالمسجد وأنت تلبس عباءتى واجعلها تغطى رأسك حتى لا يتبين الناظر من أنت .. واعطنى عباءتك .. وأنا سأصلى بالدار .
ففعل الشاب ما تحدث به حماه ، وخرج الى المسجد .
كانت ابنة الشيخ قد جافاها النوم بتلك الليلة ، وما أن سمعت باب الدار يفتح ، حتى قامت ترقب من الشباك خروج أباها وزوجها للصلاة ، وكم كانت سعادتها وهى ترى أباها قد خرج وحده ، وأن زوجها ما يزال بالبيت ، فسارعت اليه فوجدته ملتفا بالعباءة لا يظهر منه شئ ، فجلست الى جواره تحدثه والدموع تغرق وجهها قائلة :
: هل هنت عليك يا حبيبى الى هذا الحد .. تتركنى مع هذا الأب الظالم القاسى الذى أحال حياتى الى جحيم ، بالله عليك لا تتركنى لحظة واحدة مع هذا الأب الذى لا يعرف الرحمة .
وما أن انتهت حتى استدار أبوها كاشفا عن وجهه وهو يقول غاضبا :
: أنا ظالم هه .. أنا لا أعرف الرحمة هه .. سوف أريك الآن الظلم الحقيقى والقسوة  ، وقام الى خيرزانه - وفين يوجعك - حتى عاد زوج ابنته من الصلاة ، فقال له :
: الآن خذ زوجتك وعد الى بيتك .. لقد زوجتك يوما ( رجلا بنت رجل )  كوصية أباك وستعرف هذا حين تعود الى منزلك .
*** ومن يومها لم تعد الفتاة غاضبة أبدا الى بيت أبيها ، وعادت الى ما كانت تفعله قبل أن تستمع الى شياطين النساء من جيرانها .. ومرت السنون وهما فى سعادة وبركة ، لا تفارقهما الابتسامة ولا يجد الشيطان سبيلا للدخول بينهما .
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
__________ من حكايات جدى لى وأنا طفل صغير .. رحم الله جدى وأبى
_____________________________ د / محمد البكرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق