الجهاز الملعون K . G . B مؤامرات واغتيالات وخراب ( سلسلة مقالات للدكتور محمد البكرى )
المخابرات الروسية وكاتب الشفرة الذى سلم كل الجواسيس السوفيت للمخابرات الأمريكية !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
المقال الثانى
########
* كان هتلر يهدد بفتح المخزن رقم ( 13 ) ليبيد كل أعدائه .. وأظنه كان يلمح الى قرب انتاج القنبلة الذرية التى سبقه اليها الأمريكان وأنهوا الحرب فى ثلاثة أيام .. تلك التى أسقطوا فيها قنبلتى هيروشيما ونجازاكى لتعلن اليابان استسلامها الذى رفضته فى البداية رغم استسلام ألمانيا .. وانتهت بذلك فعاليات الحرب التى أهلكت 50 مليونا من البشر ودمرت العالم
______________
*وهنا وبعد هذا التفجير المرعب ، ماتت الفرحة فى قلوب السوفيت الذين حققوا انتصارا على الألمان واستولوا على مساحات شاسعة شرق أوروبا .. تمهيدا لفرض الشيوعية على كوكب الأرض ..
وأعلنت المخابرات السوفيتية حالة الطوارئ القصوى لاختراق المعامل السرية ومراكز الأبحاث وسرقة تصميمات القنبلة الذرية .. ولعب الروس على وتر " الدين الشيوعى " الذى أتى به ماركس لانقاذ البشرية ، والذى اجتذب عددا لا بأس به حول العالم ، ومن خلال تلك العناصر كان لديها فرصة لاختراق علماء الغرب .. للوصول الى السر الرهيب .. وكان الروس يمتلكون العلماء فى مجال تصنيع وتطوير الأسلحة ، وفقط كان ينقصهم التصميمات والكتلة الحرجة والمعادلات الأساسية ، لتصنيع القنبلة الذرية وخصوصا انهم يمتلكون ثروة طبيعية من المواد المشعة اللازمة
____________________
* كانت معامل الأبحاث الأمريكية توجد فى آخر مكان يمكن أن يتوقعه إنسان .. كانت فى كندا .. وللأسف عرفت به المخابرات السوفيتية فأقامت مركزا للتجسس فى كندا .. والعجيب أن الذى نقل لهم السر الرهيب كان آخر شخص يمكن أن يخطر ببال الطرفين - الروسى والأمريكى - وهو أحد أعظم علماء الذرة بالعالم .. بريطانى الجنسية وصاحب الإسم الحركى ( أليكس ) واسمه الحقيقى ( آلان نون ماى ) من مواليد 1892 م بالقرب من برمنجهام بإنجلترا له شقيقة واحدة وثلاث أشقاء من أسرة ميسورة الحال ..
أظهر نبوغا منذ طفولته وذكاء وفطنة وعرف عنه الصبر والإصرار والاجتهاد .. مما مكنه من التفوق على كل أقرانه ، وكان أديبا بارعا يتميز بأسلوب راق فى الكتابة . التحق بجامعة كمبردج وحصل على الدكتوراه سنة 1936 م ، وفى هذا العام قام بزيارة للاتحاد السوفيتى ..( وكان قد سبق وانضم للحركة اليسارية عام 1930 م)
وكان بصحبة كبار اليساريين ومن أهمهم ( جاى بيرجس ) و ( دونالد ماكلين ) واللذين تم تجنيبدهم ايضا لصالح المخابرات السوفيتية .. لم يحاول ( آلان نون ماى ) الاستخفاء والادعاء بكراهية الشيوعية والمبادئ الإشتراكية ، كان يعلن ذلك على الملأ ويعلن كراهيته للرأسمالية والفاشية .
____________________
هذا العالم الذى انقلب على بلاده فقلب موازين القوى الدولية .. عمل بهدوء فى صفوف الشيوعيين الانجليز عقب عودته من روسيا سنة 1936 م وانضم لهيئة تحرير احدى الصحف الهامة الناطقة بلسان اليساريين . لم يتوقف عن البحث العلمى والتفوق رغم ميوله الأدبية والفلسفية ، حتى صار أعظم علماء انجلترا ، وانضم لمعمل الأبحاث السرية فى كمبردج ، وتم ترشيحه ليرأس فريق العلماء الذين تم ايفادهم الى كندا لمواصلة الأبحاث السرية بعيدا عن أعين الرقباء ، وثبت فيما بعد أنه انضم للمخابراتى السوفيتية أثناء رحلته التى قام بها لروسيا سنة 1936 م . وهكذا كان كل شئ مكشوفا أمام السوفيت
++++++++++++++++++++++++
* وهنا يأتى السؤال الذى سيكشف لنا أسباب انهيار الاتحاد اسلوفيتى فيما بعد .. ( والسؤال البسيط هو .. كيف سقطت الشبكة فى كندا وأمريكا ولندن ) وجاءت الكلمات على لسان الجاسوس ( جوزينكو ) الذى جند نفسه بلا مقابل لحساب الغرب ..
تعالو أروى لكم الحكاية العجيبة
_____________
* وكما هى العادة .. تقودنا الصدفة الى اكتشاف أخطر الجواسيس .. ويبدو واضحا ايضا للمدقق المهتم بالكتابة عن عوالم المخابرات التى تحرك العالم ، أن الجواسيس يرتكبون الكثير من الأخطاء الكفيلة بالإيقاع بهم . لكنها لا تجد من يكتشفها ، وكان وجود العين المدربة فى المكان والوقت المناسبين ، كفيلا بكشف أخطر الشبكات ، أو الجواسيس المنفردين فى عملهم ( شبكة قوامها فرد واحد )
* أنتم الآن أمام أخطر شبكة تجسس عملت لحساب السوفيت فى الأربعينات فى أمريكا وكندا وانجلترا .. تلك التى غيرت موازين القوى الدولية ولكنها قعت بالكامل من خلال شاب روسى عجيب قرر أن ينتصر للغرب كرها فى النظام الشيوعى .
____________
& إنه ( إيجور جوزينكو ) شاب روسى نبيه ومتميز ومخلص للمبادئ الشيوعية والحزب الشيوعى ولد عام 1917 م ، واختارته السلطات للانضمام الى عالم الجواسيس وادخلته إحدى مدارس الجاسوسية الروسية ، وارسلته للعمل فى السفارة السوفيتية فى كندا فى وظيفة كاتب شفرة مدنى .. للتغطية بالطبع على عمله الحقيقى كوكيل للمخابرات السوفيتية .. وتم اخياره بالطبع بعد تحريات دقيقة للغاية عن ميوله السياسية وولائه للحزب .
* وصل كندا عام 1943 م .. وهنا كانت صدمته الأولى .. فقد ترك بلدا يعانى من البؤس والحرمان الشديد فى ظل ظروف الحرب والنهج الشيوعى الذى حرم البشر من كل شئ وجعل منهم تروسا فى ماكينة عملاقة لا ترحم .. بينما كانت كندا رمزا للثراء والجمال والرفاهية .. وبالطبع ما حدث له لم يكن فى حسبان من أرسلوه ولا حتى فى حسبانه هو شخصيا .. وهو يكتشف أن المجتمع المثالى ليس فى روسيا المحكومة بالحديد والنار والخوف والرعب ، بعكس كندا التى يكتب فيها الناس مقالات ينتقدون فيها كل شئ بثقة وحرية ولا يلقون فى السجون
* تلك كانت بداية التغيير الى النقيض فى نفس شاب حاد الذكاء اشترك فى الحرب العالمية كجندى اشارة وانضم لمدرسة بلادة لاعداد الجواسيس . ______________
* كانت السفارة السوفيتية بكندا مثالا للغموض والسرية ، وكانت بالفعل وكرا للجواسيس ، فيها أجهزة تنصت فائقة القدرة وتشرف على أكثر من 20 نقطة تجسس فى كندا وشمال أمريكا .. وكان جوزينكو يعمل فى جناح مستقل عن غيره معزول بأبواب حديدية مزدوجة ولا يسمح حتى للسفير بالولوج اليه ، وعلم بعد ذلك أن هذا القسم يقوم بتنظيم عمل خمس خلايا تجسس فى كندا وأمريكا ، تحت ستار اعمال دبلوماسية وتجارية وفنية وعلمية واقتصادية ورياضية
_________
* فى هذا التوقيت كانت قد صدرت الأوامر للخلايا الشيوعية وشبكات الاستخبارات بالعمل من أجل
1 - الوصول الى تصميمات وأسرار القنبلة الذرية بأى ثمن .
2 - الوصول الى أسرار العسكرية للدول المتحالفة لتقدير مدى قوتها الحالية والممكنه مستقبلا لتحديد ثقلها على الساحة الدولية وقت الحرب والسلم .
3 - تجنيد أكبر عدد ممكن من الجواسيس الشيوعيين .
4 - تهيئة الرأى العام لتقبل الحكم الشيوعى كوسيله للخلاص من الظلم والحرمان .
5 - الإلمام بميول واتجاهات الشخصيات الهمة والمؤثرة ووسائل جذب تلك الشخصيات .
6 - مراقبة العملاء السوفيت خصوصا من يخشى وقوعهم تحت اغراءات الآخرين _________________________
# وهنا جاء انقلاب ( جوزينكو ) بشكل مفاجئ قلما يحدث لشخص ما وبدأ بانبهاره بالحياة فى الغرب فضلا عن رفضه لقيام كل الأشخاص من حوله بالتجسس على بعضهم البعض .. سواء كان هذا فى بلاده او حتى بالسفارة .. وكان وهو المكلف بالشفرة يكتب تلك التقارير ويرسلها ويحتقر كاتبيها ويلعن الدولة البوليسية التى أحالت مواطنيها الى آلات صماء بلا مشاعر .
وايضا لكون كندا صديقة لبلاده وساعدتها بكل ثقلها وهى تخوض الحرب كان يشعره بالغدر بدولة تقدم لهم الغذاء والكساء والدواء
______________
* كره هذا الشاب النظام الشمولى للاتحاد السوفيتى وفى ظل جهاز استخبارات كروموسوماته مشبعة بالغدر حتى بالعاملين فى نفس الجهاز .. سبق ونشرت مقالات سابقة عن كيفية غدر استالين بقادة أجهزة مخابراته وهيئة أركان جيشة لمجرد الشك وقتل ودمر المئات منهم .. وكان هذا من أهم العوامل التى أشعرت ( جوزيكو بالخطر )
* ولكن لماذا هو تحديدا ؟..
___________________________
* كما ذكرت سلفا أنه كان مكلف ككاتب شفره بإرسال التقارير وبالتالى كان مطلعا على أدق الأسرار كان يشعر أنه مراقب طوال الوقت .. وكان من المعهود تغيير كاتب الشفرة كل فترة قصيرة كاحتياط أمنى .. وهذا ما حدث حين تسلم خطاب استدعاء له للعودة الى موسكو بدون ابداء الأسباب ، وعلم من همسات أصدقائه أن مصيره سيكون مثل من سبقوه من كتاب الشفرة فهم يختفون ولا تسمح لهم السلطات بالاختلاط بالناس والأرجح أنهم يقومون بقتلهم .
* كان قد تسلم الخطاب فى سبتمبر سنة 1944 م فأحس أن نهايته اقتربت .. ولكن من حسن حظه أن اعترض رؤسائه لبراعته فى أعمال الشفرة ، ولم يكن هناك من يعوض غيابه ، ووافقت السلطات فى موسكو بسبب دخول شبكة الجاسوسية فى كندا الى مرحلة حساسة وكل المعلومات تؤكد أن انجلترا وأمريكا على وشك صنع القنبلة الذرية ، وكانت تلك العملية قد أطلق عليها الروس ( العملية كاندى ) والتى عليها سيتوقف مصير الاتحاد السوفيتى فى عالم ما بعد الحرب
_____________
* هنا قرر ( إيجور جوزينكو ) العمل بسرعة وجمع أكبر قدر من المعلومات حتى تكون له مصداقية عند الكنديين حين يطلب اللجوء الى بلادهم .. وأدرك وهو يعمل أن الأمر أخطر مما كان يتصور لأنه يتعلق بمجهودات رهيبة لعلماء كرسوا حياتهم للوصول الى حل مشكلة تخصيب اليورانيوم وانشطاره المتوالى .
وفى صيف 1945 م قدم رئيس جوزينكو تقريرا ليبثه الى الاتحاد السوفيتى يقول : انه تم اختراق البرنامج النووى الأمريكى بالكامل وأن كافة الأسرار متاحة .. وكان تم بالفعل اختراق مركز الأبحاث فى " لوس آلاموس " بولاية نيو ميكسيكو وهو المركز الرئيس بين كل المراكز .
كان الشاب المزمع على التجسس يراقب مندهشا مدى ما بلغته العملية كاندى التى بلغت حدا مذهلا .. وهم يعرفون التاريخ الذى تم تحديده لإجراء التجربه الأولى ، والأخطر من ذلك أن الجواسيس حصلوا على عينة من اليورانيوم 235 المخصب وتم ارسالها الى موسكو على متن طائرة خاصة
ويبدو أن المخابرات السوفيتية بدأ يساورها الشك من ناحية ( جوزينكو ) وولائه لذا تم منح مكافآت سخية للجواسيس فى كندا عدا هو .. فأدرك أن الوقت قد حان للهروب قبل ترحيله الى موسكو وقتله .
_____________________
الهروب العجيب
!!!!!!!!!!!!!!!!!!
# هنا تتوارى أفلام المغامرات والجاسوسية أمام هذا الهروب العجيب .. ولكنننا الآن أمام قصة واقعية ..
*حدد ( جوزينكو ) يوم 5 سبتمبر للهروب عمل يومها الى ما بعد الغروب ليحدد الوثائق التى سيحملها معه ، ثم حمل فى جيوب معطفه الوثائق التى حددها وسار بخطى ثابته وإن كان قلبه يرتجف وهو يعبر البوابة الرهيبه للسفارة السوفيتية ، ليتجه مباشرة الى واحدة من أكبر الصحف الكندية ( اوتاوا جرورنال ) ليطلع العالم على الوثائق السرية .. والشئ الغريب أن الجريدة لم تلق بالا الى كلماته فغادر مبنى الجريدة الى منزله .. لم ينم ليلته وفى الصباح اصطحب زوجته وذهب ثانية الى الجريدة التى نصحته بإبلاغ البوليس ، وحين علم رئيس الوزراء بالأمر نصح المسئولين بالجريدة بتسليمه الى سفارته حتى لا تسوء العلاقات الدبوماسية مع السوفيت إذا ما قبلوا منحه حق اللجوء السياسى
.......................
* كانت الساعة تشير الى السابعة مساء حين عاد الى منزله ومعه زوجته وطفله وانتابه الفزع وهو يلاحظ من شرفته رجلان يقفان بالشارع ويراقبان شقته وبعد قليل سمع طرقا على الباب فحبس أنفاسه وأسرع الى شرفة شقته الخلفية ونادى على جاره .. وكان ضابطا فى سلاح الطيران الكندى ، وطلب منه أن يخفيه لديه حتى الصباح .. ولكن إحدى الجارات سمعت الحديث فطلبت منه الاختفاء عندها ليكون فى مأمن أكثر وحتى يطلب جارهما الضابط البوليس .. وجاءت الشرطة واستمعت الى حكايته واتفقا معه أن يراقبا المنزل بينما هو مختبئ عند الجارة ، وعند منتصف الليل وصلت سيارة بها أربعة أشخاص متجهمى الملامح ليقتحموا بالب الشقة .. وهنا تدخل البوليس الكندى بينما كانوا يفتشون شقة ( جوزينكو ) فتحججوا بأنهم يبحثون عن أوراق تخص السفارة لأن جوزينكو مسافر ..
وهنا أدركت الشرطة الكندية مدى خطورة الأمر .. وتم فحص الأوراق التى انطوت على أسرار خطيرة وأصبح جوزينكو فى حماية الشرطة وطلبت سفارة الاتحاد السوفيتى تسليمه لسرقته مبلغ كبير من المال .
______________
* وحين علم الرئيس الأمريكى ( هارى ترومان بالأمر ) استولى عليه الحزن الشديد وهو يدرك أن كل الأسرار أصبحت بحوزة الروس
وإن كانت الوثائق التى سلمها جوزينكو أماطت اللثام عن عدد كبير من الجواسيس السوفيت فى أمريكا وكندا وانجلترا وعدد من الدول الأوربية .. وأدرك رئيس وزراء كندا مدى خطأه فى البداية حين أعرض عن جوزينكو ظنا منه أنه مصاب بالهوس والجنون والرغبة فى الشهرة واحداث فرقعة اعلامية
__________
### وأجاب جوزينكو على السؤال الذى ألح على ذهن العالم وقتها وهو يقول :
: أن الاتحاد السوفيتى دولة ذات وجهين .. وجه طيب تعلنه للعالم يبشر بالسلام ونبذ الحروب ، ووجه شرير يسعى للتجسس وسرقة أسرار الدول وأسرار الترسانات الحربية استعدادا للحرب ورغبة فى بسط نفوذها على كل العالم ونشر الخوف والرعب وحكم البشر بالحديد والنار كما يفعلون مع البشر فى بلادهم وفى أوروبا الشرقية .
______________________________________________
* ( منظمة قبول الآخر لحقوق الإنسان
..... المركز القومى للدراسات الإستراتيجية والأمنية والسياسية د / محمد البكرى )
المخابرات الروسية وكاتب الشفرة الذى سلم كل الجواسيس السوفيت للمخابرات الأمريكية !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
المقال الثانى
########
* كان هتلر يهدد بفتح المخزن رقم ( 13 ) ليبيد كل أعدائه .. وأظنه كان يلمح الى قرب انتاج القنبلة الذرية التى سبقه اليها الأمريكان وأنهوا الحرب فى ثلاثة أيام .. تلك التى أسقطوا فيها قنبلتى هيروشيما ونجازاكى لتعلن اليابان استسلامها الذى رفضته فى البداية رغم استسلام ألمانيا .. وانتهت بذلك فعاليات الحرب التى أهلكت 50 مليونا من البشر ودمرت العالم
______________
*وهنا وبعد هذا التفجير المرعب ، ماتت الفرحة فى قلوب السوفيت الذين حققوا انتصارا على الألمان واستولوا على مساحات شاسعة شرق أوروبا .. تمهيدا لفرض الشيوعية على كوكب الأرض ..
وأعلنت المخابرات السوفيتية حالة الطوارئ القصوى لاختراق المعامل السرية ومراكز الأبحاث وسرقة تصميمات القنبلة الذرية .. ولعب الروس على وتر " الدين الشيوعى " الذى أتى به ماركس لانقاذ البشرية ، والذى اجتذب عددا لا بأس به حول العالم ، ومن خلال تلك العناصر كان لديها فرصة لاختراق علماء الغرب .. للوصول الى السر الرهيب .. وكان الروس يمتلكون العلماء فى مجال تصنيع وتطوير الأسلحة ، وفقط كان ينقصهم التصميمات والكتلة الحرجة والمعادلات الأساسية ، لتصنيع القنبلة الذرية وخصوصا انهم يمتلكون ثروة طبيعية من المواد المشعة اللازمة
____________________
* كانت معامل الأبحاث الأمريكية توجد فى آخر مكان يمكن أن يتوقعه إنسان .. كانت فى كندا .. وللأسف عرفت به المخابرات السوفيتية فأقامت مركزا للتجسس فى كندا .. والعجيب أن الذى نقل لهم السر الرهيب كان آخر شخص يمكن أن يخطر ببال الطرفين - الروسى والأمريكى - وهو أحد أعظم علماء الذرة بالعالم .. بريطانى الجنسية وصاحب الإسم الحركى ( أليكس ) واسمه الحقيقى ( آلان نون ماى ) من مواليد 1892 م بالقرب من برمنجهام بإنجلترا له شقيقة واحدة وثلاث أشقاء من أسرة ميسورة الحال ..
أظهر نبوغا منذ طفولته وذكاء وفطنة وعرف عنه الصبر والإصرار والاجتهاد .. مما مكنه من التفوق على كل أقرانه ، وكان أديبا بارعا يتميز بأسلوب راق فى الكتابة . التحق بجامعة كمبردج وحصل على الدكتوراه سنة 1936 م ، وفى هذا العام قام بزيارة للاتحاد السوفيتى ..( وكان قد سبق وانضم للحركة اليسارية عام 1930 م)
وكان بصحبة كبار اليساريين ومن أهمهم ( جاى بيرجس ) و ( دونالد ماكلين ) واللذين تم تجنيبدهم ايضا لصالح المخابرات السوفيتية .. لم يحاول ( آلان نون ماى ) الاستخفاء والادعاء بكراهية الشيوعية والمبادئ الإشتراكية ، كان يعلن ذلك على الملأ ويعلن كراهيته للرأسمالية والفاشية .
____________________
هذا العالم الذى انقلب على بلاده فقلب موازين القوى الدولية .. عمل بهدوء فى صفوف الشيوعيين الانجليز عقب عودته من روسيا سنة 1936 م وانضم لهيئة تحرير احدى الصحف الهامة الناطقة بلسان اليساريين . لم يتوقف عن البحث العلمى والتفوق رغم ميوله الأدبية والفلسفية ، حتى صار أعظم علماء انجلترا ، وانضم لمعمل الأبحاث السرية فى كمبردج ، وتم ترشيحه ليرأس فريق العلماء الذين تم ايفادهم الى كندا لمواصلة الأبحاث السرية بعيدا عن أعين الرقباء ، وثبت فيما بعد أنه انضم للمخابراتى السوفيتية أثناء رحلته التى قام بها لروسيا سنة 1936 م . وهكذا كان كل شئ مكشوفا أمام السوفيت
++++++++++++++++++++++++
* وهنا يأتى السؤال الذى سيكشف لنا أسباب انهيار الاتحاد اسلوفيتى فيما بعد .. ( والسؤال البسيط هو .. كيف سقطت الشبكة فى كندا وأمريكا ولندن ) وجاءت الكلمات على لسان الجاسوس ( جوزينكو ) الذى جند نفسه بلا مقابل لحساب الغرب ..
تعالو أروى لكم الحكاية العجيبة
_____________
* وكما هى العادة .. تقودنا الصدفة الى اكتشاف أخطر الجواسيس .. ويبدو واضحا ايضا للمدقق المهتم بالكتابة عن عوالم المخابرات التى تحرك العالم ، أن الجواسيس يرتكبون الكثير من الأخطاء الكفيلة بالإيقاع بهم . لكنها لا تجد من يكتشفها ، وكان وجود العين المدربة فى المكان والوقت المناسبين ، كفيلا بكشف أخطر الشبكات ، أو الجواسيس المنفردين فى عملهم ( شبكة قوامها فرد واحد )
* أنتم الآن أمام أخطر شبكة تجسس عملت لحساب السوفيت فى الأربعينات فى أمريكا وكندا وانجلترا .. تلك التى غيرت موازين القوى الدولية ولكنها قعت بالكامل من خلال شاب روسى عجيب قرر أن ينتصر للغرب كرها فى النظام الشيوعى .
____________
& إنه ( إيجور جوزينكو ) شاب روسى نبيه ومتميز ومخلص للمبادئ الشيوعية والحزب الشيوعى ولد عام 1917 م ، واختارته السلطات للانضمام الى عالم الجواسيس وادخلته إحدى مدارس الجاسوسية الروسية ، وارسلته للعمل فى السفارة السوفيتية فى كندا فى وظيفة كاتب شفرة مدنى .. للتغطية بالطبع على عمله الحقيقى كوكيل للمخابرات السوفيتية .. وتم اخياره بالطبع بعد تحريات دقيقة للغاية عن ميوله السياسية وولائه للحزب .
* وصل كندا عام 1943 م .. وهنا كانت صدمته الأولى .. فقد ترك بلدا يعانى من البؤس والحرمان الشديد فى ظل ظروف الحرب والنهج الشيوعى الذى حرم البشر من كل شئ وجعل منهم تروسا فى ماكينة عملاقة لا ترحم .. بينما كانت كندا رمزا للثراء والجمال والرفاهية .. وبالطبع ما حدث له لم يكن فى حسبان من أرسلوه ولا حتى فى حسبانه هو شخصيا .. وهو يكتشف أن المجتمع المثالى ليس فى روسيا المحكومة بالحديد والنار والخوف والرعب ، بعكس كندا التى يكتب فيها الناس مقالات ينتقدون فيها كل شئ بثقة وحرية ولا يلقون فى السجون
* تلك كانت بداية التغيير الى النقيض فى نفس شاب حاد الذكاء اشترك فى الحرب العالمية كجندى اشارة وانضم لمدرسة بلادة لاعداد الجواسيس . ______________
* كانت السفارة السوفيتية بكندا مثالا للغموض والسرية ، وكانت بالفعل وكرا للجواسيس ، فيها أجهزة تنصت فائقة القدرة وتشرف على أكثر من 20 نقطة تجسس فى كندا وشمال أمريكا .. وكان جوزينكو يعمل فى جناح مستقل عن غيره معزول بأبواب حديدية مزدوجة ولا يسمح حتى للسفير بالولوج اليه ، وعلم بعد ذلك أن هذا القسم يقوم بتنظيم عمل خمس خلايا تجسس فى كندا وأمريكا ، تحت ستار اعمال دبلوماسية وتجارية وفنية وعلمية واقتصادية ورياضية
_________
* فى هذا التوقيت كانت قد صدرت الأوامر للخلايا الشيوعية وشبكات الاستخبارات بالعمل من أجل
1 - الوصول الى تصميمات وأسرار القنبلة الذرية بأى ثمن .
2 - الوصول الى أسرار العسكرية للدول المتحالفة لتقدير مدى قوتها الحالية والممكنه مستقبلا لتحديد ثقلها على الساحة الدولية وقت الحرب والسلم .
3 - تجنيد أكبر عدد ممكن من الجواسيس الشيوعيين .
4 - تهيئة الرأى العام لتقبل الحكم الشيوعى كوسيله للخلاص من الظلم والحرمان .
5 - الإلمام بميول واتجاهات الشخصيات الهمة والمؤثرة ووسائل جذب تلك الشخصيات .
6 - مراقبة العملاء السوفيت خصوصا من يخشى وقوعهم تحت اغراءات الآخرين _________________________
# وهنا جاء انقلاب ( جوزينكو ) بشكل مفاجئ قلما يحدث لشخص ما وبدأ بانبهاره بالحياة فى الغرب فضلا عن رفضه لقيام كل الأشخاص من حوله بالتجسس على بعضهم البعض .. سواء كان هذا فى بلاده او حتى بالسفارة .. وكان وهو المكلف بالشفرة يكتب تلك التقارير ويرسلها ويحتقر كاتبيها ويلعن الدولة البوليسية التى أحالت مواطنيها الى آلات صماء بلا مشاعر .
وايضا لكون كندا صديقة لبلاده وساعدتها بكل ثقلها وهى تخوض الحرب كان يشعره بالغدر بدولة تقدم لهم الغذاء والكساء والدواء
______________
* كره هذا الشاب النظام الشمولى للاتحاد السوفيتى وفى ظل جهاز استخبارات كروموسوماته مشبعة بالغدر حتى بالعاملين فى نفس الجهاز .. سبق ونشرت مقالات سابقة عن كيفية غدر استالين بقادة أجهزة مخابراته وهيئة أركان جيشة لمجرد الشك وقتل ودمر المئات منهم .. وكان هذا من أهم العوامل التى أشعرت ( جوزيكو بالخطر )
* ولكن لماذا هو تحديدا ؟..
___________________________
* كما ذكرت سلفا أنه كان مكلف ككاتب شفره بإرسال التقارير وبالتالى كان مطلعا على أدق الأسرار كان يشعر أنه مراقب طوال الوقت .. وكان من المعهود تغيير كاتب الشفرة كل فترة قصيرة كاحتياط أمنى .. وهذا ما حدث حين تسلم خطاب استدعاء له للعودة الى موسكو بدون ابداء الأسباب ، وعلم من همسات أصدقائه أن مصيره سيكون مثل من سبقوه من كتاب الشفرة فهم يختفون ولا تسمح لهم السلطات بالاختلاط بالناس والأرجح أنهم يقومون بقتلهم .
* كان قد تسلم الخطاب فى سبتمبر سنة 1944 م فأحس أن نهايته اقتربت .. ولكن من حسن حظه أن اعترض رؤسائه لبراعته فى أعمال الشفرة ، ولم يكن هناك من يعوض غيابه ، ووافقت السلطات فى موسكو بسبب دخول شبكة الجاسوسية فى كندا الى مرحلة حساسة وكل المعلومات تؤكد أن انجلترا وأمريكا على وشك صنع القنبلة الذرية ، وكانت تلك العملية قد أطلق عليها الروس ( العملية كاندى ) والتى عليها سيتوقف مصير الاتحاد السوفيتى فى عالم ما بعد الحرب
_____________
* هنا قرر ( إيجور جوزينكو ) العمل بسرعة وجمع أكبر قدر من المعلومات حتى تكون له مصداقية عند الكنديين حين يطلب اللجوء الى بلادهم .. وأدرك وهو يعمل أن الأمر أخطر مما كان يتصور لأنه يتعلق بمجهودات رهيبة لعلماء كرسوا حياتهم للوصول الى حل مشكلة تخصيب اليورانيوم وانشطاره المتوالى .
وفى صيف 1945 م قدم رئيس جوزينكو تقريرا ليبثه الى الاتحاد السوفيتى يقول : انه تم اختراق البرنامج النووى الأمريكى بالكامل وأن كافة الأسرار متاحة .. وكان تم بالفعل اختراق مركز الأبحاث فى " لوس آلاموس " بولاية نيو ميكسيكو وهو المركز الرئيس بين كل المراكز .
كان الشاب المزمع على التجسس يراقب مندهشا مدى ما بلغته العملية كاندى التى بلغت حدا مذهلا .. وهم يعرفون التاريخ الذى تم تحديده لإجراء التجربه الأولى ، والأخطر من ذلك أن الجواسيس حصلوا على عينة من اليورانيوم 235 المخصب وتم ارسالها الى موسكو على متن طائرة خاصة
ويبدو أن المخابرات السوفيتية بدأ يساورها الشك من ناحية ( جوزينكو ) وولائه لذا تم منح مكافآت سخية للجواسيس فى كندا عدا هو .. فأدرك أن الوقت قد حان للهروب قبل ترحيله الى موسكو وقتله .
_____________________
الهروب العجيب
!!!!!!!!!!!!!!!!!!
# هنا تتوارى أفلام المغامرات والجاسوسية أمام هذا الهروب العجيب .. ولكنننا الآن أمام قصة واقعية ..
*حدد ( جوزينكو ) يوم 5 سبتمبر للهروب عمل يومها الى ما بعد الغروب ليحدد الوثائق التى سيحملها معه ، ثم حمل فى جيوب معطفه الوثائق التى حددها وسار بخطى ثابته وإن كان قلبه يرتجف وهو يعبر البوابة الرهيبه للسفارة السوفيتية ، ليتجه مباشرة الى واحدة من أكبر الصحف الكندية ( اوتاوا جرورنال ) ليطلع العالم على الوثائق السرية .. والشئ الغريب أن الجريدة لم تلق بالا الى كلماته فغادر مبنى الجريدة الى منزله .. لم ينم ليلته وفى الصباح اصطحب زوجته وذهب ثانية الى الجريدة التى نصحته بإبلاغ البوليس ، وحين علم رئيس الوزراء بالأمر نصح المسئولين بالجريدة بتسليمه الى سفارته حتى لا تسوء العلاقات الدبوماسية مع السوفيت إذا ما قبلوا منحه حق اللجوء السياسى
.......................
* كانت الساعة تشير الى السابعة مساء حين عاد الى منزله ومعه زوجته وطفله وانتابه الفزع وهو يلاحظ من شرفته رجلان يقفان بالشارع ويراقبان شقته وبعد قليل سمع طرقا على الباب فحبس أنفاسه وأسرع الى شرفة شقته الخلفية ونادى على جاره .. وكان ضابطا فى سلاح الطيران الكندى ، وطلب منه أن يخفيه لديه حتى الصباح .. ولكن إحدى الجارات سمعت الحديث فطلبت منه الاختفاء عندها ليكون فى مأمن أكثر وحتى يطلب جارهما الضابط البوليس .. وجاءت الشرطة واستمعت الى حكايته واتفقا معه أن يراقبا المنزل بينما هو مختبئ عند الجارة ، وعند منتصف الليل وصلت سيارة بها أربعة أشخاص متجهمى الملامح ليقتحموا بالب الشقة .. وهنا تدخل البوليس الكندى بينما كانوا يفتشون شقة ( جوزينكو ) فتحججوا بأنهم يبحثون عن أوراق تخص السفارة لأن جوزينكو مسافر ..
وهنا أدركت الشرطة الكندية مدى خطورة الأمر .. وتم فحص الأوراق التى انطوت على أسرار خطيرة وأصبح جوزينكو فى حماية الشرطة وطلبت سفارة الاتحاد السوفيتى تسليمه لسرقته مبلغ كبير من المال .
______________
* وحين علم الرئيس الأمريكى ( هارى ترومان بالأمر ) استولى عليه الحزن الشديد وهو يدرك أن كل الأسرار أصبحت بحوزة الروس
وإن كانت الوثائق التى سلمها جوزينكو أماطت اللثام عن عدد كبير من الجواسيس السوفيت فى أمريكا وكندا وانجلترا وعدد من الدول الأوربية .. وأدرك رئيس وزراء كندا مدى خطأه فى البداية حين أعرض عن جوزينكو ظنا منه أنه مصاب بالهوس والجنون والرغبة فى الشهرة واحداث فرقعة اعلامية
__________
### وأجاب جوزينكو على السؤال الذى ألح على ذهن العالم وقتها وهو يقول :
: أن الاتحاد السوفيتى دولة ذات وجهين .. وجه طيب تعلنه للعالم يبشر بالسلام ونبذ الحروب ، ووجه شرير يسعى للتجسس وسرقة أسرار الدول وأسرار الترسانات الحربية استعدادا للحرب ورغبة فى بسط نفوذها على كل العالم ونشر الخوف والرعب وحكم البشر بالحديد والنار كما يفعلون مع البشر فى بلادهم وفى أوروبا الشرقية .
______________________________________________
* ( منظمة قبول الآخر لحقوق الإنسان
..... المركز القومى للدراسات الإستراتيجية والأمنية والسياسية د / محمد البكرى )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق