الثلاثاء، 8 مايو 2018


عزاء عم جلال 
قصة لـ / محمد محمود شعبان 
شيء عجيب ما يحدث للناس في صيوان العزاء الذي أقاموه تأبينا لعم جلال، الكل بلا استثناء إما ضاحك مقهقه وجهه مكشوف، وإما ضاحك بالكاد يكتم صوته ويواري وجهه بكلتا يديه .. اعتاد عم جلال أن يجلس نهارا على كرسيه المتحرك في شرفة شقته المطلة على الزقاق، وجهه يشبه وجه ( محمد علي باشا ) بالضبط بكل تفاصيله، استطاع ذلك العجوز المسن القعيد أن يفعل ما لم يقدر عليه كل سكان الزقاق، الزقاق مسدود متفرع من الشارع الرئيسي وأعمدة الكهرباء مهملة لذا فالزقاق من بعد المغرب يصير سوادا حالكا إذا أخرج الماشي فيه يده لم يكد يراها، في الزقاق عدد من الأسر، مجموعة من الناس البسطاء الذين لا يستطيعون مواجهة بلطجة ( أنُّوس براءة ) ورفاقه الذين يتخذون من الزقاق محلا لترويج المخدرات ويحولونه ليلا لـ (غرزة كِيف ) ومزاج، ويوميا سهر وصراخ حتى مطلع الفجر، ناهيك عن دخان البانجو الذي تضيق به صدور مرضى الحساسية والأطفال، وزد على ذلك لفائف التبغ التي تصبح منثورة في أرض الزقاق مختلطة بكتل البلغم والنخامات، يااااااه شيء مقزز فعلا، رحمة الله وحدها هي من نجت ( شيرين ) بنت الباشمهندس ( قدري ) من براثن الولد ( وليد )، كان قد ثقَّــل العيار أكثر من المعتاد، وحَلَتْ البنت في عينيه وهي مارة أمامه عائدة من درس الفيزياء، لحقها في مدخل العمارة وسحلها سحلا تحت الدرج، سمع السكان صراخها، لوَّح ( وليد ) في وجوههم بمطواه قرن غزال، بينما كانت رقبة ( شيرين ) في يده اليسرى مثل دجاجة مهيضة الجناح تنتظر الذبح، لم يستطع أحد الاقتراب منه، مثل هذا لا يشعر بما يفعل وهو تحت تأثير ما يزدرده ويشربه، جاء صوت عم جلال مجلجلا وهو يصرخ قائلا:ـ امش يا ولد من هنا أنا سأبلغ البوليس. 
رد وليد بصوت عال قائلا:ـ لو قالها غيرك يا عم جلال أنا كنت أوقعت رقبته من فوق جسمه الآن، البوليس يقبض على أمثالك أنت!!. ثم ترك البنت ومشى دون أن يتعرض له أحد.. 
موضوع البوليس لم يعد يرهب هؤلاء البلطجية والسجن بالنسبة لهم فترة نقاهة يخرجون منه أكثر شراسة، لهم ( نادرجية ) في كل مكان يبلغونهم بهجوم الشرطة فيخفون الممنوعات التي يحملونها أسرع من البرق، كما أن لهم أعوانا ينتقمون من أي شخص يبلغ عن أصدقائهم، آخر مرة فعلها الأستاذ ( جابر ) وأبلغ الشرطة لينجدوا أهل الزقاق من المنقطعين لأذى الناس ومعهم حقن الهروين، ولفائف البانجو، وشرائط الترامادول والفودو والاستركس، والأسلحة البيضاء، حضرت الشرطة ولم تجد معهم شيئا، ومع أن غالبيتهم مسجلين لدى الشرطة لم تفعل لهم شيئا، وعادت ريمة لعادتها القديمة، وأزيدكم من الشعر بيتا، لقد تم تحرير محضر بلاغ كاذب ضد الأستاذ جابر، وكان يمكن أن يرفع هؤلاء البلطجية والشمامون دعوى رد شرف ضد الأستاذ ( جابر)، ومن حقهم!! .. وبعدها وقف ( أنوس ) وقالها بعلو صوته:ـ والله ـ إن كررتها ـ أقول عليك إنك إخوان وأجعلهم يكلبشوك .. لم يحتمل عم جلال الأمر أكثر من ذلك ـ مع أنه أقل المتضررين ـ ، اتصل بأحد أقاربه الذي حضر ومعه كاميرا مراقبة علقها أسفل شرفته لتكشف مدخل العمارة والزقاق كله ليلا ونهارا، حضر ( أنوس براءة ) ليلا ومعه رفقته أطل عم جلال برأسه من خلف سور الشرفة، لم يلاحظوا سوى صوته وهو يجلجل قائلا :ـ من يجلس هنا يجلس بأدبه واحترامه ـ يا أولاد الكلب ـ ومن يفعل غير ذلك سوف أفرغ الكاميرا وأرسل ما بها لموقع وزارة الداخلية عن طريق النت، الكاميرا تصور وتسجل حتى لو انقطع التيار الكهربي، الكاميرا بها خاصية الرؤية الليلية، الكاميرا متصلة بالنت مباشرة، وأروني ماذا ستفعلون يا حسالة البلد يا رمم .. مر عام على هذه الحادثة تقريبا منذ ذلك الحين و( أنوس) ورفاقه لا يقرب أحد منهم الزقاق، وإذا فعلوا فيجلسون بأدب جم ومن وقت لآخر يرمقون الكاميرا بطرف عيونهم، لم يصدق أحد أن ذلك القعيد العجوز يجلب الأمن والأمان للزقاق!! .. منذ يومين افتقد السكان ( عم جلال ) طرقوا بابه فلم يجب، اتصلوا بقريبه الذي حضر بسرعة ومعه مفتاح الشقة وجدوا المسكين ميتا على كرسيه المتحرك وحيدا، أما سلك الكاميرا فكان مبتورا ومعلقا على باب الشرفة من الداخل، وغير متصل لا بوحدة استقبال، ولا شاشة عرض، ولا نت ولا أي شيء ههههههههه.. الله يرحمك يا عم جلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق